شريعه النذير وتحدى التكريس
شريعة النذير
( عدد 6 )
1- من هو النذير ؟ !
هو الشخص المنفصل والمفرز لله " مقدس لله "كلمة "نذير" مأخوذة عن الفعل العبري "نذر" أي "تكرَّس" أو "تخصَّص". ففي سفر التكوين إذ بارك يعقوب أولاده طلب لابنه يوسف أن تحلّ عليه بركات السماء من فوق وبركات الغمر الرابض تحت... فدعاه "نذير إخوته"
(تك 49: 26)، كأن قلبه قد تخصَّص للرب. وفي مراثي إرميا دَعَى أشراف أورشليم بهذا اللقب لتوبيخهم، إذ قيل "كان نذرها أنقى من الثلج وأكثر بياضًا من اللبن... صارت صورهم أشد ظلامًا من السواد" (4: 7-8). كأن النذير يجب أن يكون نقيًا وطاهرًا لكن للأسف وُجد أشد ظلامًا من السواد، عِوَض أن يتكرَّس قلبه للنور الإلهي سلَّم قلبه لظلمة الخطيئة.
لكن هذا اللقب خصّص للذين كرَّسوا وقتهم لله بناء على تعهد يتعهد به أناس في حضرة الرب. هؤلاء منهم من نُذروا وهم في بطون أمهاتهم وبقوا هكذا كل أيام حياتهم نذيرين للرب، ومنهم من نُذروا لمدة معينة. من هؤلاء النذيرين شمشون (قض 13: 5) وصموئيل (1 ص 1: 11) ويوحنا المعمدان (لو 1: 15) ولا يزال نذر الأبناء لمدة محددة شائعًا في الشرق خاصة بين إخوتنا الكاثوليك ولعل فكرة بيوت العذارى وجماعات المتبتلين التي ظهرت في الكنيسة الأولى وتطورت حتى ظهرت الحركة الرهبانيّة بكل أشكالها جاءت عن فكرة نذر الإنسان حياته لله، مشتاقًا أن يقدِّم كل طاقاته للعبادة، متخليًا بمحض إرادته عن مباهج الحياة الزمنيّة المحلّلة وعن كل رباط دموي لكي لا ينشغل إلاَّ بالله موضوع حب.
وما ورد في هذا الأصحاح لا يخص المنذورين كل أيام حياتهم بل لفترة من الزمن
والنذير كان يخصص نفسه لله مدة معينة ولتكن شهر أو مدي الحياة مثل يوحنا المعمدان
والمؤمنون الأن هم نذيرون لله من الوجهه الروحية بإعتبارهم مقدسين في المسيح يسوع
قال الرب عنهم
" ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضا مقدسين في الحق " ( يو 17 : 19 )
2-ماهي شريعة النذير:-
(1)لايشرب خمر : (نتاج الكرم محرم عليه مهما تنوعت اشكاله وانواعه)
* رمز لانفصاله وانعزاله عن المسرات والافراح العالمية (مز104: 15)
*فالخمر علامة على الفرح الارضي ودلالة على السرور الاجتماعي الذي يطمح اليه القلب البشري
استعداد كلي وشغف طبيعي "اي الانفصال عن كل ماتجده الطبيعة لذة وسرور
*النذير يجب ان يكون متزن ومدرك افعاله ومالك لنفسه والخمر يفقده هذا ويسيطر عليه.
ماهي مسرات المؤمن "النذير الحقيقي"
نصيب المؤمن من المسرات اعظم من نصيب الاخرين (مز4: 7)
أ- في ناموس الرب مسرته (مز1: 2) ب- في شركة المؤمنين مسرته (مز16: 3)
جـ - في عمل مشيئة الله ورضاه مسرته (مز40: 8) د- في مخافة الله مسرته (اش11: 3)
هـ - في شخص المسيح نفسه بالشركة معه مسرته (لو3: 21)
(2)النذير لايحلق رأسه : (الاعتزال عن المجد العالمي "الشهرة والصيت")
(1كو11:7،14) عيب او عار على الرجل ان يرخي شعره وذلك رمز لانكاره لذاته والتخلي عن حقوقه وكرامته كرجل لكي ينفصل لله بغض النظر عما يقوله الناس عنه مثل موسى الذي حسب عار المسيح غنى (عب11: 26)
الشعر بالنسبة للمرأة رمز لخضوعها للرجل رأيها والعمل على طاعته !!
فقد شمشون نذره وفارقته قوته وصار مثل الناس لانهم قصوا شعره (قض16: 16-17)
اما مجد المؤمن هو الرب نفسه "مجدي ورافع رأسي" (مز3: 3)
الخدوع لله فالرجل راس المراءة والنذير رأسه الله
(3)لايمس نجس:-
لايمس جسد ميت حتى لوكان اقرب الناس اليه فلايتنجس لاجلهم
وهذا رمز لتجنب اية نجاسة ادبية (اخلاقية) التي هي سمات دائرة الموت والتجنيد لله
فالمؤمن قد يتنجس بافعال اللااخلاقية مثل الكلمات البذيئة والافكار غير الطاهرة والنظرات الشهوانية
قد تكون النجاسة هي بسبب مظهر اصل المرارة في داخلنا (عب12: 15)
من يتنجس يفقد كل ايام انتذاره "اما الايام الاولى تسقط لانه نجس انتذاره "(عد6: 12) ثم يبدأ من جديد كل الايام السابقة لاتحسب
النذير الذي يقيمه الله هو شخص منفصل عن الفساد الادبي فهو ضعيف في ذاته لكي مايعلن الله قوته في وقت ضعفه ويستخدمه لصالح شعبه الذي يكون تحت ضغط من الاعداء الذين يضايقونه في داخل بلاده.
نلاحظ : ان النذير ينفصل عن امور ليس في حد ذاتها خطية ولكن تؤول الى اعاقة تكريسنا لله.
الشريعة : ذبيحة محرقة هي رمز لموت المسيح في نظر الله
ذبيحة الخطية : رمز لموت المسيح لاجلنا ذبيحة الاثم : رمز لموت المسيح لاجل خطايانا الفعلية
فلابد لنا :-
1- الرجوع الى الله والنظر من اين سقطت واتوب (رؤيا2) اي من الاول
2- التكريس التام لله كل الكيان وكل النفس وكل مافي الانسان!!
يجب ان نعرف ....
الاستخدام الحقيقي المؤثر والمستمر في الخدمة لايكون الا للنذير
3. تطهيره إذا لمس ميتًا:
ارتبط الموت بالخطيئة كثمرة من ثمارها، لهذا حُسب لمس الميت نجاسة حسب الشريعة اليهوديّة، حتى وإن كان الميت نبيًا أو قدِّيسًا، لهذا حذَّر على النذير من لمس الميت. فإذا حدث موت مفاجيء فتنجس رأس النذير، يبقى النذير سبعة أيام ثم يحلق رأسه يوم طهره، وفي اليوم الثامن يقدم يمامتين أو فرخي حمام إلى الكاهن إلى بيت خيمة الاجتماع، فبقدم الكاهن ذبيحة خطيئة ومحرقة ليكفر عنه، ويبدأ النذير أيام نذره من جديد وتسقط الأيام الأولى لأنه نجس انتذاره.
مع أن ما حدث تم فجأة ولا ذنب للنذير فيها لكنه هكذا أراد الله أن يوضح لنا مدى بغضه للدنس وحبه للقداسة والطهارة، فإن الدنس حتى وإن جاء فجأة بغير إرادة لكنه يرد الإنسان إلى حيث بدأ من جديد ويفقده أيام جهاده الأولى. لقد أخطأ أبونا إبراهيم بذهابه إلى مصر (تك 12) فبدأ مسيرته من جديد (تك 12: 8)، إذ ذهب إلى الموضع الذي سبق أن كانت فيه خيمته بين بيت إيل وعاي، إلى موضع المذبح الذي عمله هناك أولًا (تك 13: 3-4)..لقد خسر إبراهيم هذه الفترة من حياته لأنه انحرف عن الطريق الذي رسمه له الرب، وبعد مشقة بدأ من نقطة البداءة. حقًا إن الاستسلام للضعف مرة يفقد الإنسان الكثير من البركات الإلهيّة التي تمتع بها، ويجعل حياته فاترة وبالجهد يبدأ من جديد!
4. إكمال حياة النذير:
قلنا أن الحديث هنا خاص بالنذير لفترة محدودة، وقد جاء في التلمود أن الحد الأدنى للنذر هو ثلاثون يومًا، حتى وإن نذر الإنسان مدة أقل. غير أننا قرأ في سفر
أعمال الرسل (21: 27) عن بولس الرسول أنه نذر نفسه لمدة أسبوع.
عند إكمال النذير أيام نذره يلتزم بطقس معين يكشف الأساس الروحي الذي عليه تُبنى حياتنا في المسيح يسوع ربنا، حيث صارت مُكرَّسة له، هذه التي يصير كمالها بالحق عندما نخلع خيمتنا الأرضيّة وندخل إلى الراحة في حضن الآب. وقد جاء الطقس هكذا:
أ. يقدم النذير ذبيحة محرقة وسلامة وتقدمة، الأمور التي تمثل جوانب متمايزة ومتكاملة لسرّ الصليب. وكأن نذرنا وجهادنا في هذا العالم لن يقبل ولا يصير كاملًا إلاَّ من خلال ذبيحة الصليب الكفاريّة.
ب. يقدم النذير تقدمة أخرى قدر إمكانيته (ع 21)، وهي غير محدودة. وكأن ذبيحة المسيح الكفاريّة تلتحم مع تقدمتنا ما استطعنا، فيرتبط حب الله بحبنا، وعمل الله المجاني بجهادنا. لقد ترك باب العطيّة مفتوحًا لكي يتسع قلبنا من يوم إلى يوم بالحب الباذل في غير حدود.
ج. يحلق شعره ويلقي به في نار ذبيحة السلامة لتعود إليه كرامته لا على أساس زمني عالمي بل كرامة شركة الأمجاد الأبديّة. أما إلقاء الشعر في نار ذبيحة السلامة فيشير إلى دموع المجاهدين التي يمسحها السيد المسيح بيديه في اليوم الأخير، وتصير أتعابهم وجهادهم سرّ سلام أبدي فائق في المسيح يسوع الممجد.
د. يشرب خمرًا كرمز إلى التمتع بالفرح والبهجة عِوَض الأتعاب والأحزان التي قبلناها في هذا العالم من أجل الإيمان بالسيد المسيح ربنا.
هكذا يكمل طقس إكمال أيام نذرنا حينما نخرج من هذا العالم، مختفين في ذبيحة الصليب المجانيّة مقدِّمين جهادنا الذي مارسناه بنعمته الإلهيّة، فيمسح الله دموعنا ويملأ حياتنا بالفرح الأبدي.
هذا الطقس في الحقيقة لا يكمل فينا إلاَّ لأن السيد المسيح رأسنا قد أكمله على مستوى إلهي فائق، فمن أجلنا صار كنذير مقدمًا حياته في طاعة كاملة لأبيه. إنه لم يقدم ذبائح وتقدمات خارجيّة بل بذل حياته مقدمًا جسده ودمه المبذولين ذبيحة حب للآب عنا، فيها نجد نار المحبة الإلهيّة مشتعلة خلال ذبيحة السلام الحقيقي. إن كان كل نذير ملتزم أن يقدم تقدمة قدر إمكانياته فالسيد قدَّم حياته التي وحدها قبوله لدى الآب، قدم إمكانياته الإلهيّة غير المحدودة، فصرنا جميعًا مقبولين لدى أبيه خلاله. أما حلق شعر النذير فيشير إلى كمال الحريّة التي وهبها لنا هذا النذير الإلهي خلال نار صليبه. وأما شرب الخمر فيشير إلى روحه القدوس المعزّي الذي يهبه لنا في كنيسته المقدَّسة يملأ حياتنا سلامًا وفرحًا حتى في أمر لحظات التوبة.
5. مباركة الكهنة الشعب:
ختم الرب حديثه عن النذير بالكشف عن سرّ البركة التي يتمتع بها الشعب خلال كهنته. لعل الرب خشى أن يسقط النذير في الكبرياء فيظن في نفسه أنه أفضل من إخوته، لهذا أوضح أنه حتى البركة التي تحلّ على الشعب بواسطة الكهنة هي عطيّة الله نفسه، يقدمها الثالوث القدوس، وما الكهنة إلاَّ وسيلة يسألون الله ثلاث مرات ليبارك الثالوث القدوس الشعب، فقد كلَّم الرب موسى قائلًا:
"كلَّم الرب هرون وبنيه قائلًا: هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم:
يباركك الرب ويحرسك،
يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك،
يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا،
... وأنا أباركهم" [22-27].
هكذا يؤكد الرب أنه هو الذي يبارك لا الكهنة، مهما علت درجتهم، هو الذي يحرس وهو الذي يرحم وهو الذي يمنح السلام.
تعليقات
إرسال تعليق